اختلف الباحثون فيما بينهم في التفرقة بين مفهومي الأقلية والدولة الإسلامية، فبعضهم يرى أنه إذا زادت نسبة المسلمين في الدولة عن 50% تصبح الدولة إسلامية، والبعض الآخر يرى أنه إذا كان المسلمون أغلبية مقارنة بأصحاب الديانات الأخرى وحتى وإن لم يتجاوزوا نسبة 50% تصبح الدولة إسلامية، وهناك فريق ثالث من الباحثين يرى أن المعيار في تحديد إسلامية الدولة هو النص الدستوري أو ديانة رئيس الجمهورية أو تشكيل النظام الحاكم.. إلخ. وبالتالي فإن مفهوم الأقلية المستخدم في هذه الدراسة سيعتمد فكرة الـ (50% + 1).
” بنظرة عامة إلى خريطة الصراعات السياسية والعسكرية في العـالم، نجد أن أغلب مناطق التوتر تتركز في الأماكن التـي تتواجد فيها أقليات إسلامية. ” |
وهناك صعوبات فنية وسياسية تحول دون معرفة حجم الأقليات الإسلامية بدقة، فالعديد من الدول التي توجد فيها أقليات إسلامية لا تتوافر فيها إحصائيات رسمية دقيقة عن التوزيع الديني للسكان، أو أنها تعيش في دول فقيرة لا تتوافر فيها الإمكانيات المادية لمعرفة نسبة المواليد والوفيات والزواج والطلاق وعدد أفراد الأقليات الدينية.. إلخ، أو إذا توافرت تلك الإحصائيات فإن العديد من الدول التي تقيم فيها الأقليات الإسلامية تفرض عليها طوقاً من السرية والكتمان خوفاً من إثارة المشكلات الطائفية والعرقية.
وتأتي مشكلة المصادر لتزيد الأمر صعوبة، فأغلب المصادر الغربية تميل إلى التقليل من أعداد المسلمين، في حين تبالغ الكثير من المصادر الإسلامية في ذلك. لذا اعتمدنا في هذه الدراسة على الإحصائيات الرسمية الصادرة عن الأمم المتحدة، والإحصائيات الصادرة عن الدولة نفسها في حال توافرها، إضافة إلى الموقع الأمريكي Factbook الذي يعتبر مصدراً هاماً في المعلومات الأساسية عن دول العالم، ومقارنة كل ذلك بأكثر من مصدر إسلامي متخصص في دراسة الأقليات الإسلامية.
هموم متشابهة
حروب وصراعات.. فقر وقلة في الموارد والإمكانيات.. تهميش اجتماعي وسياسي.. هذه هي أبرز هموم الأقليات الإسلامية في العديد من قارات العالم وبالأخص في أفريقيا وآسيا.
وبنظرة عامة على خريطة الصراعات السياسية والعسكرية في العالم، نجد أن أغلب مناطق التوتر تتركز في المناطق التي تتواجد فيها أقليات إسلامية كما هو الحال في جامو وكشمير، وتركستان الشرقية، والفلبين، وبورما، والبلقان.. إلخ.
” |
ومما يزيد أوضاع الأقليات الإسلامية سوءًا انخفاض متوسط الدخل السنوي لأفرادها، وازدياد نسبة الأمية، وارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض والأوبئة، وما ينجم عن ذلك كله من ارتفاع معدلات الوفيات، ويظهر ذلك جلياً في أفريقيا، خاصة في جمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية، ووسط الأقليات الإسلامية الكبيرة العدد في الهند والفلبين على سبيل المثال.
وقد أدى هذا الوضع إلى معاناة هذه الأقليات مما يمكن تسميته بالتهميش السياسي الذي يظهر في قلة مشاركتهم في أنظمة الحكم والإدارة بما يتوافق مع نسبتهم العددية، وهذا بدوره أثر في مدى اهتمام حكومات الدول التي يعيشون فيها بمطالبهم وحقوقهم. وتأتي بعد ذلك مشكلة الذوبان الثقافي والهوية الإسلامية التي يشعرون بأنها تواجه تحديات كبيرة وسط المجتمعات غير الإسلامية التي يعيشون فيها.
هذه أبرز سمات المشهد من بعيد، وبالاقتراب تزداد الصورة وضوحاً.. ولنبدأ بالأقليات الأكبر عدداً في آسيا كالهند والصين والفلبين، ثم نتابع بقية لقطات المشهد.
أولا: المسلمون في الهند
وصل الإسلام إلى الهند على يد محمد بن القاسم أثناء الفتوحات المعروفة في التاريخ الإسلامي بفتوحات السند أيام عهد الدولة الأموية، وعلى مدى قرون طويلة ظل المسلمون في شبه القارة الهندية أمة واحدة، ومع نهاية الاحتلال البريطاني الذي استمر حوالي مائتي عام انقسمت الهند عام 1947م إلى دولتين هما الهند وباكستان التي كانت تضم آنذاك بنغلاديش، ونتيجة لذلك التقسيم ظهرت على مسرح الأحداث السياسية مشكلة إقليم جامو وكشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان.
” نسبـة المسلمين في الهنــد 14% مـن مجمــوع السكان، يشتـغل 70% منهم بالزراعـة، غير أن تمثيلهم في مؤسسات الدولــة لا يتعـدى نسبــة 1%. ” |
مجتمع الهند مجتمع متعدد الأعراق واللغات، وتبلغ مساحة أراضيها 3,166,414 كم2 مربع، ويعيش فيه 1,014,003,810 نسمة يمثلون سدس سكان العالم، وهي بذلك تعد ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان بعد الصين، وتبلغ نسبة المسلمين فيها 14% من مجموع السكان، أي حوالي 141,960,431 نسمة، يتركز أغلبهم في ولايات: أوتار باراديش، وبهار، وغرب البنغال، ومهراشتره، وكيرلا، ويعمل في قطاع الزراعة منهم قرابة 70، والباقون موزعون على قطاعات الخدمات، والتجارة، والصناعة.
وينقسم مسلمو الهند إلى قسمين هما: مسلمو الشمال ويتبعون المذهب الحنفي ويتكلمون اللغة الأردية والبنغالية، ومسلمو الجنوب ويتبعون المذهب الشافعي ويتحدثون اللغة التامولية، إضافة إلى وجود مسلمين شيعة في بعض الولايات وبالأخص في حيدر آباد. ورغم كبر حجم الأقلية المسلمة في الهند (14%)، فإن نسبة تمثيلهم في مؤسسات الدولة لا تتعدى 1%.
وتهتم بشؤون هذه الأقلية عدة جمعيات أهمها:
– مجلس المشاورة.
– الجماعة الإسلامية (الهند).
– جمعية علماء الهند.
– الجمعية التعليمية الإسلامية لعموم الهند.
ويوجد لدى هذه الأقلية جامعات لتدريس العلوم الإسلامية وأخرى للعلوم المدنية، ومن أهمها:
– جامعة ديوبند
– ندوة العلماء في لكنهو
– مظاهر العلوم
– مدرسة الإصلاح
– الكلية الإسلامية في فانيا آبادي
– الجامعة العثمانية في حيدر آباد
– الجامعة الملية في دهلي.
أما التعليم الأولي فتهتم بشؤونه مدارس ومكاتب منتشرة في أماكن وجود تلك الأقلية، تعاني أغلبها من كثافة الفصول وقلة الكوادر المتخصصة.
المشكلات التي تواجه مسلمي الهند
1 – النزاعات بين الهندوس والمسلمين والتي كان من أعنفها أحداث آسام عام 1984 التي أسفرت عن مجازر راح ضحيتها آلاف المسلمين، وأحداث هدم المسجد البابري في 6 ديسمبر/ كانون الأول 1992م حيث وقعت اشتباكات بين المسلمين وأعضاء حزب شيوسينا الهندوسي المتعصب سقط فيها الآلاف من كلا الجانبين.
2- الهوية الثقافية التي تشعر تلك الأقلية أنها مهددة بالذوبان في المجتمع الهندي الذي يغلب عليه الطابع الهندوكي، ويقول المسلمون الهنود إن الحكومة تحاول تكريس هذا الطابع في المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية، لذا فقد بذلوا جهودا كبيرة – خاصة في بناء المؤسسات التعليمية- من أجل الحفاظ على هويتهم الإسلامية، إلا أن ثمار هذه الجهود لا تصل إلى مستوى الطموح المطلوب لأسباب منها:
– قلة الإمكانيات في المؤسسات التعليمية الإسلامية.
– ضعف التنظيم والتنسيق بين المؤسسات والجماعات الإسلامية في الهند.
3- انخفاض متوسط الدخل السنوي لمعظم أفراد الأقلية، وتصنيفهم ضمن الشرائح الاجتماعية الأكثر فقراً، حيث يعيش أكثر من 35% من سكانها تحت خط الفقر.
مشكلة المسلمين في جامو وكشمير
يحتل إقليم جامو وكشمير موقعاً استراتيجياً هاماً، فهو يقع في قلب آسيا، تحيط به باكستان من الغرب، والهند من الجنوب، والصين من الشرق والشمال. وتبلغ مساحة هذا الإقليم 222,800 كم2، ويعيش فيه حوالي 12 مليون نسمة، 70% منهم مسلمون والبقية سيخ وهندوس.
يعيش هذا الإقليم أجواء صراع طويل بين المسلمين وغيرهم، بدأت مرحلته الحالية منذ انقسام شبه القارة الهندية عام 1947، حيث تتقاسم السيطرة عليه كل من الهند وباكستان.
” قمعت الحكومة الهندية حركة التحرر الكشـميـري بعنفٍ أسفر عن مقتل أكثر مـن ثـلاثيـن ألف كشميري، إضافة إلى عمـليـات اعتقـال وسجن طالت ما يزيد عن 40 ألفـاً آخرين على مـدى الخمسين عاماً الماضية. ” |
جذور الصراع
أسلم ملك كشمير البوذي ريخبن شاه عام 1323م وسمى نفسه صدر الدين، وأصبحت مملكته جزءًا من الإمبراطورية المغولية حتى عام 1586م، واستمر الحكم الإسلامي للولاية قرابة 500 عام. وفي عام 1819 استولى السيخ على الولاية، وبعد احتلال بريطانيا لشبه القارة الهندية في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، اشترت قبيلة الدوغرا الهندوسية الإقليم من السلطات البريطانية عام 1846م، بعد أن وقعت معها اتفاقية “آمر تسار” التي تنص على تنصيب ملك هندوسي على الإقليم، ولم يتم لها ذلك إلا عام 1947م.
وفي نفس العام بدأ صراع المسلمين العسكري والسياسي، ففي شهر يناير/ كانون الثاني فاز حزب مؤتمر مسلمي كشمير بـ 16 مقعداً من أصل 21 في انتخابات برلمان الولاية، وفي يوليو/ تموز من العام نفسه قرر 85% من الشعب الكشميري الانضمام إلى باكستان، وغيروا توقيت ساعاتهم دلالة على ولائهم للدولة الباكستانية.
– حرب 47 – 1948
تطورت الأحداث بعد ذلك سريعاً، فاندلع قتال مسلح بين الكشميريين والقوات الهندية عام 1947م، أسفر عن احتلال الهند لثلثي الولاية، ثم تدخلت الأمم المتحدة في النزاع وأصدرت قراراً عام 1949م ينص على وقف إطلاق النار وإجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم. وبدأ يسود المجتمع الدولي منذ ذلك الحين اقتناع بأن حل القضية الكشميرية يأتي عن طريق اقتسام الأرض بين الهند وباكستان، فاقترحت الأمم المتحدة أن تكون الأجزاء التي بها أغلبية مسلمة وتشترك مع باكستان في حدود واحدة (تقدر بحوالي 1000 كم) تنضم لباكستان، أما الأجزاء الأخرى ذات الأغلبية الهندوسية التي لها حدود مشتركة مع الهند (300 كم) فتخضع للسيادة الهندية.
– الحرب الثانية عام 1965م
لكن الأمور عادت مرة أخرى للتأزم في عهد رئيسي الوزراء الهندي لال بهادر شاستري والباكستاني محمد أيوب خان، حيث اندلعت حرب شاملة وقع الطرفان بعدها اتفاقية طشقند في 1/1/1966 والتي تنص على حل النزاعات بين البلدين بالطرق السلمية.
– الحرب الثالثة عام 1971م
واندلعت حرب شاملة أخرى بين الهند وباكستان عام 1971م، توقفت بعد تدخل الأمم المتحدة التي فرضت الهدنة بينهما بدءًا من عام 1972م، بعد أن انفصلت باكستان الشرقية وأطلقت على نفسها اسم بنغلاديش.
ثم دخل البلدان في مفاوضات سلمية أسفرت عن توقيع اتفاقية لم تستمر طويلاً أطلق عليها اتفاقية شِملا، وتنص على اعتبار خط وقف إطلاق النار الجديد هو خط هدنة بين الدولتين، واتفق الطرفان على حل خلافاتهما حول كشمير سلميا، وعدم اللجوء إلى الأعمال العسكرية في المستقبل.
ومنذ ذلك الحين وجولات النزاع بين الجانبين لا تتوقف، تهدأ حيناً وتثور حيناً آخر، وكان آخرها الصراع الذي تفجر عقب نجاح المقاتلين الكشميريين في احتلال مرتفعات جبال دراس وكارجيل الاستراتيجية، وكادت تنشب بين الدولتين النوويتين حرب شاملة لولا تدخل الولايات المتحدة الأمريكية وأطراف دولية أخرى في إقناع الجانب الباكستاني بالضغط على الكشميريين للانسحاب من تلك المرتفعات، وبالفعل تم انسحابهم في عهد حكومة رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف.
وسط هذا الصراع الطويل لم يكن مستغرباً أن تكون المطالبة باستقلال الإقليم على رأس أولويات الحركات الوطنية هناك، والتي تقمعها الحكومة الهندية بعنف تقول عنه المصادر الكشميرية إنه أسفر عن مقتل أكثر من ثلاثين ألف كشميري، إضافة إلى عمليات اعتقال وسجن طالت ما يزيد على أربعين ألفاً آخرين على مدى الخمسين عاماً الماضية.
ثانيا: المسلمون في الصين
تعد الأقلية المسلمة في الصين ثاني أكبر أقلية إسلامية في آسيا بعد الهند، حيث تبلغ نسبتهم 11% من إجمالي سكان الصين البالغ عددهم 1,246,871,951 نسمة. وقد دخل الإسلام إلى الصين في وقت مبكر من القرن الثامن الهجري على يد التجار المسلمين من العرب والفرس، وصار المسلمون الصينيون بعد ذلك أهم عنصر في الحكم المغولي.
بدأت معاناة المسلمين الصينيين خلال سنوات حكم المندشوريين الأولى والتي امتدت من القرن السابع عشر حتى أوائل القرن العشرين، وقام المسلمون بعدة ثورات أسفرت في النهاية عن تكوين دول إسلامية في بعض الولايات لفترات قصيرة، مثل تلك التي قامت في كل من هونان، كانسو، وتركستان الشرقية.
المسلمون في ظل الحكم الوطني (10– 1949م)
وتغير الحال بعد أن قضى الثوار الوطنيون على حكم المندشوريين عام 1910م بمساعدة الأقلية المسلمة، وبدأت بوادر الانتعاش في الحياة الإسلامية تظهر من خلال كثرة المساجد والمؤسسات الإسلامية التي أنشئت خلال تلك الفترة والتي من أهمها:
– المنظمة الإسلامية الصينية التقدمية التي تأسست عام 1912م في بكين، والتي كان لها دور كبير في نشر التعليم الإسلامي واللغة العربية وبناء المدارس والمساجد.
– المنظمة الثقافية الإسلامية الصينية التي تأسست عام 1928 في مدينة شنغهاي، وكان من أبرز أعمالها تأسيس المدارس والمكتبات والاهتمام بدراسة علوم القرآن والحديث.
– المنظمة الإسلامية لعموم الصين التي بدأت نشاطها عام 1938، وانبثقت عنها مليشيات إسلامية اشتركت مع الجيش الصيني في مواجهة الغزو الياباني (37 – 1945م)، ومن أهم أعمالها كذلك ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الصينية، وتنشيطها حركة البعثات التعليمية إلى الجامعات المصرية والتركية لدراسة اللغة العربية والعلوم الإسلامية.
أما المساجد التي بنيت إبان الحكم الوطني فقد وصل عددها إلى 42 ألفاً، ألحق بأغلبها مدارس تعليمية، ففي ولاية كاشغر -على سبيل المثال- بني 400 مسجد، وفي بكين 49، وفي نانكين 27، وفي شنغهاي 14 مسجداً.
” فـي ظل حكم الثوار الوطنيين الذي استمر إلـى قيـام الحـكم الشيـوعي، استـعاد المسلمون بعضاً من حقوقهم السياسية، فـأصبـح يـمثلهم 100 نـائب فـي البرلمان الصيني عام 1947، وعدد من الوزراء والضباط في الحكومة والجيش. ” |
وفي ظل هذا الاستقرار استعاد المسلمون في الصين بعضاً من حقوقهم السياسية، فأصبح يمثلهم مائة نائب في البرلمان الصيني عام 1947، وعدد من الوزراء والضباط في الحكومة والجيش. كما انتشرت الجامعات والمعاهد العلمية الإسلامية التي اهتمت بنشر العلوم الإسلامية وبخاصة علوم الحديث والتفسير، وكان من أهمها:
– جامعة كاشغر الإسلامية في تركستان الشرقية.
– جامعة هوتشيوو في ولاية كانسو.
– إضافة إلى معهدين إسلاميين أحدهما في بكين أطلق عليه اسم معهد الدراسات العليا الإسلامية، والآخر يسمى معهد واي كينغ بولاية هونان.
وانعكس كل ذلك على الحياة العلمية والثقافية وسط الأقلية المسلمة، فترجمت العديد من أمهات الكتب الإسلامية، وظهرت لأول مرة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الصينية، وكتاب السيرة النبوية لمؤلفه الإمام ليوتشيه.
الأصول العرقية لمسلمي الصين
تفيد مصادر مسلمي الصين أن تواجدهم يكثر في الولايات الشمالية والغربية، حيث يمثلون أغلبية السكان هناك، وبخاصة ولايات: سنغيانغ (أويغور) ويمثلون نسبة 71 % من سكانها، وشنغهاي (65%)، ونينكسياهوي (35%)، وكانسو (31%)، ومنغوليا الداخلية (29%)، بالإضافة إلى 12 ولاية أخرى -من بينها العاصمة بكين- تزيد نسبة المسلمين فيها عن 10%، و11 ولاية جنوبية تقل النسبة فيها عن 10%.
ويعيش داخل هذه الولايات ثلاث مجموعات عرقية هي:
1– العرقية التركية
ومنهم الإيغور، الكزاخ، والأوزبك، والتتار، والتراتش، والسلار، والسيبو، والهيتشو. وأكثر هذه الأعراق تعيش في تركستان الشرقية والمناطق المجاورة لها.
2– العرقية الصينية
ويطلق عليهم هناك “هوي هوي” ويشتركون مع الصينيين غير المسلمين في اللغة والعرق، وهم أكثرية مسلمي الصين، حيث يتوزعون على معظم المناطق وبالأخص في الولايات الواقعة على الحدود مع ميانمار (بورما)، وكزاخستان، وأوزبكستان، وتعد العاصمة بكين واحدة من أهم مراكز تواجدهم. ويعمل أغلبهم في الزراعة والتجارة، والحرف اليدوية وبالأخص دباغة الجلود، ويتحدث معظم هؤلاء اللغة الصينية الرسمية إضافة إلى معرفة بعضهم باللغة العربية.
3 – عرقيات أخرى
ومن أهمها الطاجيك الذين يتحدثون اللغة الفارسية، والمغول، واللولو، والسيهيا، والتبتيون، والطاوسان.
إقليم تركستان الشرقية
هو أكبر أقاليم الصين مساحة (1,6 مليون كم2)، ويبلغ عدد سكانه 13 مليون نسمة حسب المصادر الإسلامية، في حين تقدر الحكومة الصينية عدد المسلمين هناك بـ 7,5 ملايين.
يحد هذا الإقليم من الشمال الغربي كزاخستان وقرغيزستان وطاجكستان، ومن الجنوب أفغانستان والهند، ومن الشرق أقاليم التيبت الصينية وكوبنغهاي وكانسو. حاولت الصين منذ عام 1759م احتلاله بسبب ثرواته الطبيعية وأهمها النفط الذي يسد 80% من احتياجاتها، واستطاعت بالفعل السيطرة عليه عام 1949 بعد نجاح الثورة الشيوعية، فأصدرت قانوناً بتغيير اسم الإقليم إلى سنغيانغ أو إقليم أويغور المتمتع بالحكم الذاتي.
قام المسلمون نتيجة لذلك بثورات عديدة تطالب بالاستقلال عن الحكم الصيني، كان أشهرها ثورة 65- 1966م التي قمعتها السلطات الصينية بالقوة، وأسفرت عن هجرة حوالي 250 ألفاً إلى البلدان المجاورة مثل أوزبكستان وأفغانستان وطاجكستان وكزاخستان.. إلخ.
ومنذ ذلك الحين بدأت معاناة الشعب التركستاني سواء في أماكن تواجدهم داخل الإقليم أو في أماكن لجوئهم بالخارج، حيث مارست الحكومة الصينية ضدهم صنوفاً مختلفة من القمع والاضطهاد. ورغبة منها – كما يقول التركستانيون- في تهميش مظاهر الحياة الإسلامية بحجة مخالفة القوانين الصينية عملت على:
– إغلاق أكثر من عشرة آلاف مسجد من أصل 21 ألفًا في الإقليم.
– منع استخدام الأحرف العربية في الكتابة.
– تطبيق قوانين أحوال شخصية يخالف بعضها أحكام الشريعة الإسلامية.
– إخضاع المدارس في تركستان الشرقية للمناهج التعليمية الصينية دون اعتبار للخصوصية الدينية والعرقية.
ثالثاً: المسلمون في الفلبين
تعتبر الفلبين من أقدم الدول الآسيوية التي دخلها الإسلام على أيدي المسلمين العرب من التجار والدعاة (1310م)، وقام حكم إسلامي في العديد من الجزر الجنوبية وبخاصة جزيرة مِندناو منذ أوائل القرن الرابع عشر الميلادي وحتى القرن السادس عشر.
واحتلت إسبانيا الفلبين منذ القرن السادس عشر الميلادي وحتى عام 1899م، وفي تلك الفترة بدأ الحكم الإسلامي بالانحسار، وازداد الأمر تعقيداً بمجيء الاستعمار الأميركي الذي ضم الجنوب المسلم إلى الشمال قبل أن يمنح الفلبين استقلالها عام 1946م، وقد تسبب ذلك في حالة من الشعور بالغبن سادت بين المسلمين هناك الذين كانوا يعملون لنيل استقلالهم، كما كانوا طوال القرون الماضية تحت اسم مملكة سولو وسلطنة ماجندناو.
ونتيجة لاتهام المسلمين الحكومة الفلبينية بدعم جماعات مسيحية مسلحة، انفجر الوضع العسكري بين الجانبين عام 1970م، وتأسست إثر ذلك الجبهة الوطنية لتحرير مورو عام 1972 لتقود مواجهات مسلحة ضد النظام الفلبيني، غير أن هذه المواجهات لم تسفر عن انتصارات حاسمة لأي منهما. فبدأ منذ عام 1976م إجراء سلسلة من مفاوضات السلام بين الحكومة وقادة الجبهة الوطنية بوساطة ليبية أسفرت في النهاية عن توقيع اتفاقية طرابلس التي تنص على منح المسلمين حكماً ذاتياً، إلا أن الاتفاق لم يدخل حيز التنفيذ نظراً لمماطلة الحكومة الفلبينية كما تتهمها بذلك الأقلية المسلمة، وسرعان ما عادت الأمور إلى التوتر وعادت معها العمليات المسلحة بين الجانبين.
وفي عام 1993 توسطت إندونيسيا في الصراع بين الجبهة والحكومة، وبعد ثلاث سنوات نتج عن تلك الوساطة توقيع اتفاق سلام جديد في يونيو/ حزيران من عام 1996 تنص بنوده على إنشاء مجلس للسلام والتنمية في جنوب الفلبين يستمر لمدة ثلاث سنوات، يُجرى بعدها استفتاء شعبي في مقاطعات الجنوب تُخَّير فيه كل مقاطعة على حدة في الانضمام للحكم الذاتي الإسلامي، ودمج المليشيات العسكرية التابعة للجبهة الوطنية في جيش الفلبين المركزي.
غير أن المسلمين كانوا يخشون ألا يسفر هذا الاستفتاء -في حال إجرائه- إلا عن موافقة خمس مقاطعات فقط -من أصل أربع عشرة مقاطعة- على الانضمام للحكم الذاتي الإسلامي، وذلك بسبب التغييرات الديمغرافية التي تمت في تلك المقاطعات وجعلت الأغلبية العددية للمسيحيين (وفق مصادر مسلمي الفلبين).
” زاد الاستعمــار الأميـركي من تعقيد وضــع الأقليــة الإسلامية في الفلبين، حيث ضمـت أميركـا الجنـوب المسلم إلى الشمال قبل أن تمنح الفلبين استقلالها عام 1946م، لتبدأ أزمة ذوبان الهوية وحق تقرير المصيـر. ” |
الموقع والمساحة وعدد السكان
تبلغ مساحة الفلبين 300 ألف كم2، وتتكون من سبعة آلاف جزيرة، يحدها من الشمال والغرب بحر الصين الجنوبي، ومن الشرق المحيط الهادي، ومن الجنوب بحر سيلبس، ويبلغ تعداد سكانها 81,159,644 نسمة، منهم ستة ملايين مسلم.
الجبهة الوطنية لتحرير مورو
تأسست عام 1972م بعد أن أعلن ماركوس الرئيس الفلبيني آنذاك الأحكام العرفية في الجنوب، وبدأ الصراع العسكري بين الحكومة والجبهة التي أعلنت أنها تسعى لانفصال الجنوب المسلم عن الشمال.
ولم تستطع الجبهة الوطنية المحافظة على وحدتها بسبب تباعد الرؤى والتصورات حول أسلوب حل قضية المسلمين في جنوب الفلبين، فسلامات هاشم يرى أن الحل العسكري عن طريق الجهاد هو الأمثل تمهيدا لإقامة دولة إسلامية في الجنوب، في حين يرى نور مسواري أن طريق المفاوضات في هذا الوقت يمكن أن يكون أكثر فاعلية؛ من خلال الحصول على بعض المكاسب من الحكومة الفلبينية.
وزادت حدة الاختلاف عام 1976 عقب توقيع نور مسواري -إثر وساطة قام بها الزعيم الليبي معمر القذافي- على اتفاق مع الحكومة الفلبينية في العاصمة الليبية طرابلس -عرف باسم اتفاقية طرابلس- ينص على منح المسلمين في الجنوب حكما ذاتيا محدودا، فانقسمت الجبهة في العام التالي 1977، وظلت تعمل على الساحة بجناحيها المختلفين تحت نفس الاسم حتى عام 1984م، وحينئذ أطلق سلامات هاشم على جناحه اسم “الجبهة الإسلامية لتحرير مورو“.
المشكلات التي تواجه المسلمين
1- التخلف الشديد الذي يتجلى في النقص الحاد في الخدمات التعليمية والصحية والذي يعود سببه -من وجهة النظر الإسلامية- إلى سيطرة الحكومة في مانيلا على الثروات الطبيعية للمناطق الإسلامية.
2- الخلخلة السكانية حيث يتهم المسلمون الحكومة المركزية بتهجير آلاف المسيحيين إلى الجنوب لإحداث تفوق عددي على المسلمين هناك.
3- الصدامات العسكرية بين ثوار الجبهة الإسلامية لتحرير مورو الداعية للاستقلال وبين الجيش الحكومي، وكان من نتيجة هذه الصدامات حتى الآن تهجير قرابة مليوني مسلم فلبيني إلى ولاية صباح الماليزية المجاورة.
4- التهميش السياسي إذ ليس لدى المسلمين أي ممثل في الحكومة أو القضاء.
5- انشقاق الحركة الوطنية بسبب الخلافات القائمة بين الجبهتين الوطنية والإسلامية حول أسلوب العمل الوطني بين الاستقلال التام أو الحصول على بعض المكاسب المؤقتة.
6- ضعف الاهتمام الدولي وخاصة الإسلامي بقضيتهم.
” البدايـة الأولـى لنشــوء مشكلـة المسلمين في بـورما كانت على يد الحكومة التي هجَّـرت قرابـة 200 ألف مسلم من إقليم أراكان إلى دولة بنغلاديش المجاورة. ” |
رابعاً: المسلمون في ميانمار (بورما)
لا تختلف كثيراً أوضاع الأقلية المسلمة في بورما عن نظيرتها في الفلبين، وكانت البداية الأولى لنشوء مشكلتهم على يد الحكومة البورمية التي هجَّرت قرابة 200 ألف منهم من إقليم أراكان إلى دولة بنغلاديش المجاورة.
ويطلق على الأقلية المسلمة في بورما شعب الروهنجيا، وهم ينحدرون من أصول عربية، وفارسية، وملاوية، ومغولية، وباتانية Pathans ( الباتان قوم يقطن أكثرهم في باكستان وأفغانستان والهند ويعرفون أيضاً بالبشتون). وبحسب المصادر الغربية تبلغ نسبة المسلمين الذين يتمركزون في إقليم أراكان 4% من إجمالي السكان البالغ عددهم حوالي 42 مليونا.
وصل الإسلام إلى إقليم أراكان في القرن السابع الميلادي، وكوَّن شعب الروهنجيا مملكة دام حكمها 350 عاماً، ثم انفرط عقدها على أيدي الغزاة البورميين عام 1784، وبدأت معاناة الأقلية المسلمة في ميانمار منذ ذلك التاريخ.
وتتمثل هذه المعاناة -كما تقول المصادر الإسلامية- في الحرمان من الحقوق السياسية والحريات الدينية، فلا يحق لهم على سبيل المثال الدراسة في المدارس والجامعات الحكومية، كما تمت مصادرة الأوقاف الإسلامية التي كان أشهرها الأراضي الموقوفة على مسجدي “ماونجدو جيم” و”آكياب جيم”، والأراضي التي كانت مخصصة لمقابر المسلمين والتي أقيم عليها ملاعب رياضية وأديرة.
وهناك أيضا معاناة اقتصادية سببها فرض الحكومة البورمية على المسلمين تسليمها نسبة كبيرة من محصول الأرز الذي يعتبر الغذاء الرئيسي للسكان.
إضافة إلى ذلك وضعت الحكومة عوائق عديدة أمام مشاركة الأقلية المسلمة في الحياة السياسية، كان أبرزها القانون الصادر عام 1983م والذي لا يمنح الجنسية البورمية إلا لمن يُثبت أن أسرته عاشت في ميانمار قبل عام 1844م، وهو العام الذي اندلعت فيه الحرب الإنجليزية البورمية الأولى، وقد تسبب هذا القانون في حرمان المسلمين الذين لم يتمكنوا من تقديم هذه الوثائق من حق المواطنة الكاملة وما يترتب عليه من حقوق سياسية.
خامساً: المسلمون في أوروبا وأميركا
لا يوجد إحصاء رسمي يبين حجم الأقلية المسلمة في قارات أوروبا والأميركتين، لكن بعض المصادر الإسلامية تقدر عدد مسلمي أوروبا بـ 25 مليوناً من أصل 507 ملايين هم عدد سكان القارة الأوروبية، كما تقدر عدد مسلمي الولايات المتحدة الأميركية بـ 10 ملايين، في حين يقترب الرقم غير الرسمي أيضا في كندا من المليون.
فعلى سبيل المثال يبلغ تعداد مسلمي فرنسا ستة ملايين -من أصل 59,329,691 نسمة هم تعداد السكان- منهم 4,2 ملايين من عرب شمال أفريقيا والبقية من مختلف الدول الإسلامية إلى جانب المسلمين الفرنسيين الأصليين، كما أن 2,2 مليون مسلم يحملون الجنسية الفرنسية ويعتبرون قوة مؤثرة في الحياة السياسية الفرنسية.
ومن البلدان الأوروبية الأخرى ذات الكثافة الإسلامية العالية مقدونيا وكوسوفا وبلغاريا ورومانيا.
وتختلف أوضاع الأقليات الإسلامية في أوروبا من دولة إلى أخرى، حسب الوضع القانوني السائد في تلك الدولة، وتبعاً للشعور العام السائد داخل المؤسسات الحكومية الأوروبية تجاه الإسلام، فبعض الدول تنظر إليه نظرة توجس وريبة مثل فرنسا وألمانيا، مما ينعكس على التسهيلات الممنوحة لتلك الأقلية، وخاصة فيما يتعلق باستخراج تصريحات بناء المساجد، في حين يتضاءل هذا الشعور في دول أخرى كما هو الحال في بريطانيا على سبيل المثال.
مشكلات الأقليات الإسلامية في أوروبا وأميركا
أما المشكلات العامة التي تعاني منها تلك الأقليات فيمكن إجمالها في اضطهاد جماعات اليمين المتطرف مثل حزب الأحرار في النمسا، والنازيين الجدد في ألمانيا، والتعصب القومي في دول البلقان، والتي تأخذ أشكال عنف متعددة، كالاعتداء المباشر على الأفراد والممتلكات، أو الإيعاز لأعضاء البرلمانات في البلدان الأوروبية بتغيير القوانين المتعلقة بالأجانب للحد من الهجرة.
” تعتبر مشكلة التردد بين العزلة والاندماج أهم ما يؤرق الأقليات المسلمـة في الغرب، كما تشكـل الهويـة الإسلامية والخـوف عليهـا من الذوبان في ثقافة الآخـر؛ التحدي الأول لها. ” |
وتعتبر مشكلة التردد بين العزلة والاندماج من المشكلات المؤرقة للأقليات المسلمة في الغرب، كما تشكل مسألة الهوية الإسلامية والخوف عليها من الذوبان في ثقافة الآخر؛ التحدي الأول لها، خاصة لدى الأبناء من الجيلين الثاني والثالث الذين حصلوا على جنسية البلدان المقيمين فيها وأصبح لهم حقوق مواطنة كاملة.
وتحاول تلك الأقليات الحفاظ على هويتها الإسلامية، لكن ضعف الإمكانات والموارد وندرة الدعاة المتخصصين يقف عائقا دون تحقيق ما تصبو إليه، مما ينعكس سلباً على أوضاعها الاجتماعية والثقافية، ويزيد من حدة هذه المشكلة عدم وجود لوبي عربي وإسلامي قوي يدافع أمام الحكومات الأوروبية عن حقوق تلك الأقليات وسرعة تنفيذ مطالبها.
سادساً: الأقليات الإسلامية في البلقان
تعد الأقليات الإسلامية الموجودة في منطقة البلقان وبالأخص في مقدونيا واليونان والجبل الأسود؛ بؤرا للتوتر الدائم في القارة الأوروبية، حيث كانت سياسة الضم القسري وتغيير الحدود في دول البلقان السبب الرئيس في نشوء تلك الأقليات التي تتركز في شماريا اليونانية، مقدونيا، الجبل الأسود. ورغم وجود هذه الأقليات في قارة متحضرة وغنية فإن أوضاعها السياسية والاقتصادية متردية، وفيما يلي توضيح ذلك:
1- المسلمون في اليونان
وقع اختيارنا للأقلية الإسلامية في مدينة شماريا لكونها أبرز الأمثلة على تعامل القارة الأوروبية مع الأقليات الإسلامية بها.
تقع شماريا على الحدود الألبانية اليونانية، وتبلغ مساحتها 15 ألف كم2، ولا يعرف عدد المسلمين فيها على وجه الدقة، فالمصادر التركية عام 1910م قدرتهم بـ 83 ألفاً، والإحصاء اليوناني للسكان عام 1936م قدرهم بـ 26 ألفاً، ولم تعلن الحكومة اليونانية إحصائيات حديثة يمكن الاستناد إليها في معرفة أعداد المسلمين في تلك المنطقة، غير أن المصادر المعتمدة في هذه الدراسة تذكر أن نسبة المسلمين في اليونان عموما تبلغ حوالي 1,5% من السكان البالغ عددهم 10,707,135 نسمة.
كانت شماريا تابعة لألبانيا قبل أن تجتاحها الجيوش اليونانية في حملات استمرت بين عامي 44 – 1945م، نجم عنها خضوع المنطقة بأكملها للسيادة اليونانية، إلى جانب خسائر في الأرواح والممتلكات تقدرها المصادر الألبانية على النحو التالي: 2900 قتيل، 745 فتاة اغتصبت، 2400 ألباني ماتوا أثناء الفرار، 68 قرية دمرت، 5800 بيت أحرق، ومائة مسجد دمر.
وبالرغم من أن هذه الأرقام اصطبغت مع مرور أكثر من نصف قرن بالصبغة التاريخية، فإنها لا تزال تلقي بظلالها على الأوضاع هناك، فالمسلمون في شماريا يطالبون بإعادة منطقتهم إلى ألبانيا، ويشعرون بمرارة الاحتلال اليوناني لأرضهم، ويتهددهم الذوبان الثقافي وسط الأغلبية اليونانية الأرثوذكسية.
2- الأقلية الإسلامية في مقدونيا
تتركز الأقلية المسلمة في مقدونيا في مدينتي غوستفار وتيتوفا اللتين تقعان على الحدود مع ألبانيا من ناحية الغرب، وتحدهما كوسوفا من ناحية الشمال، وتبلغ نسبة المسلمين الألبان فيهما -بحسب المصادر الإسلامية- 40% من تعداد السكان البالغ مليوني نسمة، و23% بحسب الإحصاء المقدوني الرسمي، ومع هذا فنسبة تمثيلهم في مؤسسات الدولة لا تتعدى 5%، ويمارس أغلبهم التجارة.
وتعاني المناطق الإسلامية المقدونية من ضعف الخدمات التعليمية والصحية، وانتشار البطالة بين قطاع عريض من الشباب المسلم في المنطقة، ومعاملة الشرطة المقدونية غير الإنسانية للأقلية المسلمة خاصة في غوستفار وتيتوفا، ومع ذلك ليست هذه هي أهم مشكلات المسلمين المقدونيين، إذ تمثل مشكلة الهوية الإسلامية وكيفية المحافظة عليها الهم الأكبر بالنسبة لهذه الأقلية الموجودة في أكثر مناطق العالم التهاباً، فعلى الرغم من أن الدستور المقدوني ينص على إمكانية التدريس باللغة القومية التي يكثر أتباعها في منطقة ما بجانب اللغة المقدونية، فإن الحكومة ترفض بإصرار أن يتم التدريس في جامعة تيتوفا باللغة الألبانية، والحقيقة أن كثيراً من نصوص الدستور المقدوني لا تطبق في الحياة اليومية، وتشعر الأقلية المسلمة بحالة من عدم الاستقرار وبشعور متزايد بأن حرباً عرقية ستندلع في أي لحظة، وربما كان هذا هو شعور العالم أيضاً، الأمر الذي دفع الأمم المتحدة إلى إرسال قوات عسكرية يقدر عددها بـ 4800 جندي لحفظ السلام في مقدونيا، وهي الآن تتمركز في قاعدة بالقرب من مدينة تيتوفا ذات الأغلبية الألبانية المسلمة.
3- المسلمون في الجبل الأسود
لا تكاد الصورة الإسلامية في الجبل الأسود تختلف كثيراً عن سابقتها، فالمسلمون البالغ عددهم ربع السكان تقريبا يعانون من قلة الخدمات، لدرجة أن بعض القرى المسلمة ظلت بدون كهرباء حتى عام 1996م. ونتيجة لتأزم الموقف السياسي بين الجبل الأسود المطالب بالاستقلال وبين صربيا الرافضة له، تأثرت حركة السياحة في الإقليم والتي تعتبر مصدر دخله الرئيسي.
وبسبب انتشار البطالة بين المسلمين تهاجر أعداد متزايدة إلى الدول المجاورة مثل إيطاليا واليونان، كما أن إحساس هذه الأقلية بالتمييز العرقي دفعها للمطالبة بالمساواة مع غيرها من القوميات والأعراق، خاصة في ظل تنامي الشعور بالخوف من الذوبان الثقافي وسط المحيط الجغرافي والثقافي المحيط بهم، إلى جانب مطالبتها بتقليل السلطات المركزية لحكومة الجبل الأسود خاصة في المناطق الإسلامية.
سابعا: المسلمون في أستراليا
تبلغ نسبة المسلمين في أستراليا 2,1% من إجمالي عدد السكان البالغ 18,783,551 نسمة، وتعاني هذه الأقلية مما اصطلح على تسميته بمشكلة الهوية والثقافة الإسلامية المعرضة للذوبان.
معظم المسلمين الموجودين هناك هم من المهاجرين الذين قدموا من المنطقة العربية وجنوب شرق آسيا، وقد اهتمت كل جنسية بالمحافظة على هويتها بعدة طرق مثل إنشاء المدارس والجمعيات الإسلامية، كالجمعية الإسلامية التركية، والمصرية، والهندية. ويمثل هذه الجمعيات على مستوى الولاية مجلس إسلامي يضم مندوبين عن هذه الجمعيات، وعلى مستوى أستراليا كلها يجمع هذه المجالس الولائية مجلس أعلى يدعى “الاتحاد الأسترالي للمجالس الإسلامية” الذي يعتبر الممثل الرسمي لعموم المجالس الإسلامية لدى الحكومة الأسترالية، ويحصل على إعانات حكومية لتنمية المجتمع الإسلامي هناك، كتعيين الأئمة وصرف رواتبهم، والمساهمة في بناء المساجد والمدارس، والقيام ببعض الأنشطة الإسلامية للطلاب المسلمين داخل المدارس الأسترالية.
وبالإضافة إلى هذه المجالس هناك عدة جماعات إسلامية تحاول المحافظة على الهوية الإسلامية، تأتي جماعة التبليغ والدعوة على رأسها والتي تتخذ من المساجد مركزاً لنشاطاتها، وهناك كذلك اتحاد الجماعة الإسلامية (أستراليا) وكان يعرف قبل عدة سنوات بالاتحاد الأسترالي لجمعيات الطلاب المسلمين، يتكون في أغلبه من جمعيات الطلبة المسلمين في المدارس والجامعات الأسترالية وبالأخص الطلاب الماليزيين، ولهذه الجماعة أنشطة متعددة خاصة في مجال إحياء المناسبات الدينية داخل المجتمعات الطلابية.
ومن المشكلات التي تواجه تلك المجالس والجماعات ضعف التنسيق والتعاون المشترك فيما بينها، وانكفاء كل جنسية على نفسها إلى حد كبير. إضافة إلى ذلك هناك مشكلة ضعف الكوادر الإسلامية المؤهلة للعمل في المجال الدعوي، خاصة تلك التي تتقن اللغة الإنجليزية حتى تتمكن من تعليم مبادئ الإسلام واللغة العربية للأجيال المسلمة التي تعاني ضعفا شديدا في ذلك.
” المشهــد الأكثـر بـروزاًَ للأقليـات الإسلامية في أفريقيا هو انتشـار مظاهر الفقــر والحـروب العرقيـة والطائفية. ” |
ثامنا: الأقليات الإسلامية في أفريقيا
عرف الإسلام طريقه إلى أفريقيا في وقت مبكر، حيث هاجر بعض صحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الحبشة، ومنذ ذلك الحين استمر التواصل الحضاري بين شبه الجزيرة العربية والقارة الأفريقية، وكانت سواحل أريتريا والصومال من أهم البوابات الشرقية التي عبر منها الإسلام إلى القارة، ويرجع الفضل في نشر الإسلام إلى العديد من القادة منهم عمرو بن العاص، وعقبة بن نافع، وعثمان دنفديو، وعبد الله بن ياسين.
خضعت أفريقيا بعد ذلك إلى سيطرة استعمارية أخَّرت عملية التقدم الحضاري فيها عدة قرون، فقسِّمت القارة بين إنجلترا، وفرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، وباقي الدول الاستعمارية. وفي هذه الأثناء شهدت القارة واحدة من أبشع أنواع التجارة في التاريخ البشري والتي عرفت بتجارة الرقيق، حيث نُقلت أعداد كبيرة من الأفارقة إلى أراضي الأميركتين -خاصة الشمالية- مما أحدث خلخلة سكانية داخل القارة الأفريقية.
ورغم خروج الدول الاستعمارية من القارة مع بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، فإنها خلَّفت وراءها حدوداً سياسية متنازعاً عليها فجَّرت الكثير من الحروب التي لا تزال الدول الأفريقية -ومعها الأقليات الإسلامية- تعاني من ويلاتها حتى الآن.
أبرز مشكلات الأقليات الإسلامية في أفريقيا
– انخفاض مستويات المعيشة حيث تعاني أفريقيا بصفة عامة من مشاكل اقتصادية معقدة أثرت على النواحي الاجتماعية والسياسية فيها. وتشير دراسة حديثة أعدتها جامعة الأمم المتحدة في واشنطن أجرتها تحت إشراف البنك الدولي أن أفريقيا لن تكون قادرة خلال الـ 25 عاماً القادمة على تأمين الطعام لأكثر من 40% من سكانها، ويرجع السبب في ذلك -كما تقول الدراسة- إلى التدهور المستمر في التربة الصالحة للزراعة، مع الزيادة المستمرة في عدد السكان وبالأخص في دول جنوب الصحراء الكبرى الـ 48، ونتيجة لذلك تذكر الإحصائيات الواردة في الدراسة أن 200 مليون أفريقي يعانون من أمراض سوء التغذية.
– انتشار الحروب والصراعات كما هو الحال في نيجيريا، ورواندا، وبورندي، والكونغو، وسيراليون.
– انتشار الأمراض والأوبئة ولا سيما الإيدز والملاريا.
– قصور النواحي التعليمية.
– قلة الوعي بالتعاليم الإسلامية وندرة الدعاة المؤهلين.
– تنافس المؤسسات التنصيرية لجذب أعداد كبيرة من المسلمين إلى الديانة المسيحية.
– التهميش السياسي وعدم المشاركة في الحكومات ومؤسسات الدول التي يعيشون فيها. ولا يكاد يشذ عن هذه الحالة إلا المسلمون في جنوب أفريقيا، حيث يعمل أغلبهم في التجارة ويعتبرون من الطبقات الاجتماعية الغنية.