تأملات حول الصين وقضية الأويغور

– يقول المدافعون عن الصين بأنها لا تعادي المسلمين، بدليل أن الإجراءات الاستثنائية مطبقة على مسلمي (شينجيانغ) من الإيغور و الأقليات الأخرى، بينما المسلمون الصينيون في الأقاليم الأخرى يتمتعون بحرية دينية دون تضييق. و هذا صحيح إلى حد ما، مع ملاحظة أن وصف (الحرية) لا ينطبق على أي فئة في الصين. إلا أن نفي صفة الاستهداف الديني عن القمع لا يلغي أنه قمع. – خصوصية القضية الإيغورية ناتجة عن أن أهل إقليم (تركستان الشرقية) أو (شينجيانغ) لا يرون أنفسهم صينيين و لا يرون إقليمهم جزءاً من الصين، و لهم كل الحق في ذلك. – التسمية الصينية للإقليم (شينجيانج) و التي تعني (الحدود الجديدة) تدعم رواية الإيغور و من معهم من الأقليات التركية. فالإقليم لم يكن جزءا من الصين، بل سيطرت عليه إحدى السلالات الملكية الصينية عسكرياً في القرن التاسع عشر، ثم استقل فترة وجيزة قبل أن تسيطر عليه الجمهورية الوطنية الصينية ثم استقل مرة أخرى قبل أن تعيد احتلاله الحكومة الشيوعية الصينية. – من المفارقات أن المعارضة الإيغورية المسلحة ضد الصين في الستينيات و السبعينيات كانت معارضة شيوعية تطالب بالاستقلال عن الصين، و كانت مدعومة من الاتحاد السوفييتي. و بالمقابل، دعمت الصين (الجهاد) الأفغاني ضد الاتحاد السوفييتي و ترافق ذلك مع إعطاء حريات للمسلمين في الصين (بما في ذلك الإيغور) لممارسة شعائر الدين و بناء المساجد و المدارس الدينية، و كأن الصين كانت تستخدم ورقة المسلمين في صراع النفوذ مع الاتحاد السوفييتي. – منذ التسعينيات ظهرت الحركات التي تسمي نفسها (جهادية) على خط القضية الإيغورية، و بدأت أعمالاً مسلحة، يمكن وصف بعضها بأنها أعمال إرهابية كالاعتداء على الباصات و القطارات و استهداف المدنيين، بل و حتى علماء الدين المسلمين الذين لا يوافقونهم. – مع حق الإيغور في المطالبة بالاستقلال، إلا أن واقع القوة في العالم اليوم يجعل هذا الاستقلال بعيداً جداً، إن لم يكن مستحيلاً. و اللجوء إلى العمل المسلح مع الضعف طريق ممهد لمزيد من النكبات. – تبرر الصين و المنحازون لها (و أكثر الدول (الإسلامية) منحازة للصين) إجراءاتها ضد المسلمين في (شينجيانغ) بأنها لمحاربة الإرهاب. و على فرض أن هذا هو الهدف الأساسي لهذه الإجراءات، فإن حجمها و نطاقها و طبيعتها تدل على أن أهدافها أكبر بكثير من مجرد مكافحة الإرهاب، بل هي إعادة هندسة اجتماعية شاملة. – الوسم المنتشر على الفيسبوك بأن الصين تقتل المسلمين غير صحيح. لا تمارس الصين اليومَ القتل ضد المسلمين. لكن ما تقوم به قد يكون أشد من القتل. ما تقوم به هو قتل الأرواح و قطع الروابط العائلية و إنهاء الوجود الثقافي و الديني لملايين البشر. ما تقوم به هو إعادة إنتاج البشر بعد تجريدهم من إنسانيتهم ليكونوا مجرد (مواطنين صالحين) في دولة الحزب الشيوعي. – بدأت الصين في السنوات الأخيرة توظيف التقنية على نطاق واسع في مراقبة المواطنين و ضبط سلوكهم. و قد يكون من أهداف إجراءات الصين ضد الإيغور تجربة هذه التقنيات و تطويرها أكثر بتطبيقها على مجتمع كامل. – نموذج الدولة المركزية القوية المتحكمة في الاقتصاد و المجتمع الذي تمثله الصين بشكل نموذجي، بدأ يظهر -بشكل كامل أو جزئي- في عدد من الدول الإسلامية، و قد يفسر هذا التماثل دفاعَ هذه الدول عن الصين. – مع تفاقم المشكلات الناتجة عن الرأسمالية و النيوليبرالية، بدأنا نسمع أصوات اليسار (الشيوعي) من جديد. و مع أهمية التحليلات الماركسية للاقتصاد و للصراع الطبقي، إلا أن عودة الروح في الأيديولوجيا الشيوعية و (دكتاتورية البروليتاريا) من جديد يشكل خطراً كبيراً على الإنسانية كلها. ممارسات الصين ضد الإيغور تذكرنا بممارسات الاتحاد السوفييتي البائد و بأن الأيديولوجية الشيوعية المادية معادية للإنسان. – الخطاب الصيني حول معسكرات الاعتقال مثال على ما تؤدي إليه الأيديولوجيا المادية، يختزل هذا الخطاب حقوق الإنسان في الأمن و الصحة و التعليم (طبعاً المقصود هنا التعليم الموجه و المخطط وفق أولويات الدولة الاقتصادية و الاجتماعية). في هذه الأيديولوجيا، لا أهمية للدين أو الثقافة أو التراث أو التاريخ أو مشاعر الانتماء أو حتى للروابط العائلية. – يفرح البعض بصعود الصين كقوة اقتصادية عالمية منافسة لأمريكا. لكن ممارسات الصين ضد الأيغور تقدم لنا عينة مما يمكن أن تفعله هذه الدولة إن سيطرت على العالم. رغم كل سلبيات أمريكا و الغرب، تبقى القيم الإنسانية حاضرة في مؤسساتهم و خطابهم. نار الغرب ولا جنة الصين. #مرصد_الأقليات_المسلمة #تركستان_الشرقية #الأويغور
Leave A Reply

Your email address will not be published.